عن غزة والجدار القتيل والنواب البحرينيين - ثابت عكاوي

بقدر ما كان هدم الجدار الصهيوني الذي فصل جنوب فلسطين عن شمال مصر تجربة أولية للكيفية التي ستكون عليها الثورة العربية المقبلة، باعتبار مسح الحدود إرهاصاً لهذه الثورة، وبقدر ما كان هذا مجداً للجياع، لكنه بنفس القدر كان كشفاً لعار الأنظمة العربية وعُريها .

لم يكن أمام النظام المصري من خيار في الأيام الأولى للمد الشعبي سوى التراجع واصطناع الدمقرطة والتفاعل مع المد الشعبي، او على الأقل زعم "تفهم" حقوق المحاصرين واوجاعهم. لكن معرفتنا بهذا النظام سواء من حيث طبيعته الطبقية بما هو نظام كمبرادوري:

ـ فكك القطاع العام

وفكك سيادة مصر

ـ ورهن البلد بالمساعدات الأميركية التي تتدفق إلى القطط السمان

ـ وشرَّعَ خروج أرباح الشركات الأجنبية (وبالإجمال مختلف الإستثمارات الأجنبية المباشرة Foreign Dircet Investment FDI) من مصر

ـ وسهل نزيف الفائض من إنتاج قوة العمل المصرية إلى الخارج مما جعل ما يخرج من البلاد أضعافاً مضاعفة لما يدخلها. في هذا السياق جرى النظام المصري أو تشابه مع النظام الروسي في حقبة يلتسين، حيث فتح الباب لهروب رؤوس الأموال من روسيا الإتحادية إلى البنوك الأميركية بهدف خصي نمو وتنمية البلد.

هذا ناهيك عن تحويله مصر من مركز الدولة العربية المحتمل إلى قاعدة التطبيع مع الكيان الصهيوني والتآمر على العراق والتوسط الخبيث بين الفلسطينيين واليوم بين اللبنانيين.

هذا إلى جانب الطبيعة البوليسية للنظام المصري الذي لا يطيق قط اي تحرك شعبي او اي تعبير عن الرأي إلا داخل المنازل أو "حرم" التخصص، اي في الحرم الجامعي وفي حرم المسجد.

تمثلت ورطة هذا النظام في التدفق الشعبي من غزة إلى سيناء، لذا قرر التراجع كي لا ينفجر الشارع المصري إذا ما أوعز النظام لشرطته بالإعتداء على المواطنين المتدفقين إلى رفح والعريش.

وبقدر ما اضطر النظام المصري للتمنع عن الإعتداء على الضيوف العرب على مصر العربية، بقدر ما انتابه قلق حقيقي من احتمال تاثير ذلك على الأكثرية الجائعة والمباعة في مصر، بمعنى التقاط التجربة شعبياً، وبقدر ما أقلق هذا مختلف الأنظمة العربية كذلك.

كما أصاب النظام المصري قلق من الجانب الآخر اي تدفق المصريين إلى غزة خلال أيام قليلة من الديمقراطية الشعبية والذين يقدرون ب 20 ألفاً. وهو الأمر الذي ترتب عليه قيام أجهزة النظام القمعية باعتقال أعداد كبيرة منهم وصل الرقم المعلن لهم 600 شخص بتهمة محاولة التطوع في حركة حماس، مما يؤكد أن النظام المصري يعتبر اية مشاركة نضالية هي تهمة يُجازى عليها المواطن بالإعتقال والحكم بالطبع.

ليس من المؤكد أن هؤلاء المواطنين قرروا التطوع، وهو ليس بالأمر المستبعدً. فطالما تطوع العرب في المقاومة الفلسطينية منذ عشرينات القرن الماضي. لكن مثلا، حتى نظام الملك فاروق لم يحاكم أحداً على ذلك، ولم يعتقله.

في الماضي، وقبل 1948، اي قبل أن تتمأسس القطريات العربية بصغيرها وكبيرها، كان حراك المواطنين العرب أكثر سهولة وكان عقابهم على مشاركاتهم النضالية محرماً. أما اليوم، فكيف يمكن لنظام يستمد استمراره من الإعتراف بالكيان الصهيوني وتم تنصيبه من قبل البيت الأبيض ، كيف له أن يسمح بمشاركة في مقاومة أعداء الأمة؟

بل بالعكس، فإن المعادلة مقلوبة تماماً. فالأنظمة العربية ومنها النظام المصري هي التي أرسلت جنودها، بكل صَغار لمقاتلة الجيش العراقي تنفيذاً لأوامر البيت الأبيض. هذا هو معنى حلول الرسمي محل الشعبي، وهذا هو جوهر تناقض الشعبي والرسمي وهو التناقض الذي ذهب حد التناحر، ولن يتم ردم الهوة بالإصلاح.

أما المواطنون العرب الذين زاروا قطاع غزة تضامناً مع انتفاضة الشعب الفلسطيني على الحدود، وخاصة الوفد البرلماني البحريني، فما زالوا عالقين على الحدود لم تسمح لهم سلطات التطبيع المصرية بمغادرة القطاع في محاولة منها لإرغامهم على العودة عبر النقطة الحدودية الصهيونية.

قد يعتقد المرء أن المقصود هو تسليمهم للجيش الصهيوني، وهذه إمكانية. ولكن ربما كان الهدف اشد قذارة من هذا. لماذا لا يكون هدف عملاء المخابرات المصرية ونظامهم إرغام هؤلاء العروبيين على التطبيع عبر خضوعهم لمركز الحدود الصهيوني. فالتطبيع الشعبي هو ما يحلم به الكيان الصهيوني في هذه الحقبة بالذات. لذلك ما زال الوفد البحريني برئاسة السيد ناصر الفضالة في قطاع غزة رافضاً محاولة النظام المصري كسر إرادته بإرغامه على التطبيع، اي عكس المهمة التي جاء من أجلها، وتحويلها إلى سلوك وضيع كما فعل الكثير من قيادات المقاومة الفلسطينية الذين خلعوا ثوباً ولبسوا آخر. فدخلوا الأرض المحتلة والخاتم الصهيوني على جباههم.

لعل الجرح باتساع الوطن بأكمله. فأين البرلمانيون العرب من هذا الإعتداء الرسمي المصري على البرلمانيين البحرينيين؟ قبل ايام كان حديث لبرلماني كويتي يدافع فيه عن أمير الكويت بأنه لم يشتم النساء العراقيات، ويدافع عن احتلال اميركا للعراق (انظر مقالة بادية ربيع الأخيرة في

كنعان الإلكترونية)[1]. فاين هو اليوم أمام هذا الموقف الصهيوني للنظام المصري!

هنا نلمس الفارق بين قلق النظام وانتماء الجماهير. بين دور النظام والتزام الجماهير. وهو فارق يصل في الحقيقة حد التناقض بين الشعبي والرسمي، وإن كان لا يزال يتطلب من الشعبي الإرتفاع إلى وجوب الصدام مع الرسمي لأن التناقض بينهما تناحرياً.

الحرج

إلى جانب القلق، هناك الحرج الذي اصاب النظام المصري وهو على مستويين:

الأول: عجزه عن التعامل مع التدفق الشعبي كما إعتاد وكما يرغب أن يبدو دوماً في نظر الشعب كي لا تتكرر هذه المحاولات وتتسع.

والثاني: حرجه مع الكيان الصهيوني والإمبريالية الذين اعتادا منه على القمع المفتوح ضد الشعب.

ورغم ذلك، فإن الكيان الصهيوني لم يرحم ضعف النظام المصري، بل زعم أن فلتان الحدود سمح للمقاومة بإدخال كميات كبيرة من الأسلحة والصواريخ والأموال وحتى المتطوعين. وأصر الكيان على مواصلة إهانة النظام المصري حتى وهو يخدمه بإخلاص: فقد رفض الكيان علناً السماح للنظام المصري بإدخال أعداد أكبر من الشرطة المصرية إلى سيناء "لحماية" الحدود من التدفق الشعبي.

ولا يعود العيب الرئيسي في عدد الشرطة بل في المبدأ، اي في كون سيناء هي عمليا محكومة من قبل الكيان الصهيوني، رغم كافة مزاعم النظام عن عودة السيادة المصرية عليها.

لماذا لا نقول إن عدم قمع النظام المصري لإنتفاضة المعابر هو قلة عدد جنوده هناك! وهو أمر قد يفسره قول وزير خارجية هذا النظام الذي صرَّح بأن اي فلسطيني يخرق الحدود المصرية سوف "تُكسر ساقه"، فماذا عن الجيش الصهيوني يا وزير أكبر نظام حكم عربي!. وهنا نلاحظ تتبع هذا لتصريحات المجرم رابين "شريك منظمة التحرير في صنع السلام" الذي قال عند انطلاق الإنتفاضة الأولى "سنكسر عظام الفلسطينيين". كما يؤكد هذا نية النظام بممارسة القمع لو كان على ذلك قديراً.

وفي نطاق "اللامعقول" الذي قد يصبح واقعاً طالما هذا هو الحال، فهناك عرب يقترحون قوات "عربية" لاحتلال غزة وسحق حماس. أي "تحرير" غزة من حماس وطمئنة الكيان الصهيوني. لا غرابة أن يفكر هؤلاء في هذا الخيار، فهم أنفسهم يحاولون إرسال جيوش "عربية" إلى العراق لمساعدة الإحتلال الأميركي.

لا غرابة، فمن جُبل بالمذلة لا يطيق لحظة عز.

نشكركم على التعاون معنا فى المنتدى

نشكركم على التعاون الجميل معنا فى المنتدى

مشكوووووووور

جداااااااااا

اشكركم على التعاونكم معنا ولقد اعجبنى اسلوبكم فى مواضيعكم

محمدغنيم

عن غزة والجدار القتيل والنواب البحرينيين - ثابت عكاوي At--

» زيد بن ثابت - جامع القرآن