الحسد والظن والطيرة من أمراض القلب

كلما ازداد الإنسان عظمة، كلما كان عليه أن يدفع ضريبة الحسد والحاسدين، و"من حسد الناس بدأ بمضرة نفسه" كما قيل. فالحسد يفسره الجوهرى بقوله "الحسد أن تتمنى زوال نعمة المحسود إليك، يقال حسده يحسده حسودا" قال الأخفش "وبعضهم يقول يحسده بالكسر والمصدر حسدا بالتحريك، وحسادة". روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا حسد إلا فى اثنين: رجل أتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله قرآنا فهو يتلوه". والحسد "أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه وتكون له دونه" والغبط "أن يتمنى أن يكون له مثلها ولا يتمنى زوالها عنه" قال الأزهر "الغبط ضرب من الحسد وهو أخف منه، ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل يضر الغبط؟ فقال نعم، كما يضر الخبط، فأخبر أنه ضار وليس كضرر الحسد الذى يتمنى صاحبه زوال النعمة عن أخيه، والخبط: ضرب ورق الشجر حتى يتحاث عنه ثم يستخلف من غير أن يضر ذلك بأصل الشجرة وأغصانها".

إشارة القرآن والسنة النبوية للحسد

يقول تعالى "ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" "البقرة آية 109" ويقول أيضا "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" "النساء آية 54" ولهذا أمرنا ربنا خالقنا أن نتعوذ "من شر حاسد إذا حسد" "الفلق آية 5".

وروى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، التقوى ههنا- ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" "رواه مسلم".

فالنجش هو أن يزيد فى ثمن سلعة ينادى عليها فى السوق ونحوه، ولا رغبة له فى شرائها بل يقصد أن يضرّ غيره وهذا حرام. والتباغض أى نهى عن الاختلاف فى الأهواء والمذاهب والنحل. والتدابر هو أن يعرض عن الإنسان ويهجره ويجعله كالشيء الذى وراء الظهر والدبر. والمقصود من بيع بعضكم على بيع بعض هو المنافسة غير الشريفة المؤدية إلى قسوة القلب. وفى حديث آخر "استعينوا على قضاء حوائجكم بسترها فإن كل ذى نعمة محسود". وفى حديث رواه أبو داود "إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب". وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن يغبط، والمنافق يحسد".

حكم وأقوال عن الحسد

قال حكيم "الحسد أول ذنب عصى به الله فى السماء يوم حسد إبليس آدم، وأول ذنب عصى به الله فى الأرض يوم حسد ابن آدم أخاه حتى قتله" قال ابن مسعود "ألا لا تعادوا نعمة الله، قيل ومن يعادى نعمة الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله" ولهذا قيل "جانبْ مودّة الحسود، وإن زعم أنه ودود". وسئل بعض الحكماء "أى أعدائك لا تحب أن يعود لك صديقا؟ فقال: الحاسد الذى لا يردّه إلى مودتى إلا أن تزول نعمتي" وفى المثل العربى "كل ذى نعمة محسود" قال "أرسطاطاليس" "لا يحزن الحسود لما ينزل به من الشر فقط، بل لما ينال الناس أيضا وفى المثل الانكليزى "يهزل الحسود إذا سمن جاره" قال الإمام الشافعي:
"كل العداوات قد ترجى مودتها إلا عداوة من عاداك عن حسد"
قال أبو العلاء المعري:
"ما الخير صوم يذوب الصائمون له ولا صلاة ولا صوف على الجسد
وإنما هو ترك الشر مطّرحا ونفضك الصدر من غل ومن حسد"

ومن نوابغ الحكم "إذا شئت أن تحيا سعيدا فلا تحسد أحدا على نعمة" وقال أحد الشعراء :
"أعطيت كل الناس من نفسى الرضا إلا الحسود فإنه أعياني"
وقال أبو فراس الحمدانى مخاطبا الحاسد بإذلال الله تعالى له شر ذلة:
"أيا حاسدا لى على نعمتي أتدرى على من أسأت الأدب
فأخزاك ربى بأن زادني وشد عليك وجوه الطلب".

قال الإمام الشافعى "الحسد إنما يكون من لؤم العنصر، وتعادى الطبائع، واختلاف التركيب، وفساد مزاج البنية، وضعف عقد العقل، والحاسد طويل الحسرات، عادم الراحات". وفى كليلة ودمنة "ما خلا جسد من حسد" وقال الجاحظ "العداوة تخلق وتبلى وتمل، والحسد غض جديد، حرّم أو أعطى لا يبيد، فكل حاسد عدو، وليس كل عدو بحاسد".

كيف ننتصر على هذا الداء؟

قال الأصمعى "رأيت أعرابيا قد بلغ عمره مائة وعشرين سنة، فقلت له: ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت". وقال بعض البلغاء "أقض على الحسد قبل أن يقضى عليك". وقال على بن أبى طالب "احذر مشورة الجاهل وإن كان ناصحا، كما تحذر مشورة العاقل إن كان غاشا". وروى أحمد بن حنبل فى مسنده، والترمذي، والضياء عن الزبير بن العوام، فى حديث نبوى صحيح "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء، هى الحالقة، حالقة الدين، لا حالقة الشعر والذى نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".

وعلى الإنسان أن يحتاط من أعدائه فقد قال عليه الصلاة والسلام فى حديث رواه أبو هريرة "للمؤمن أربعة أعداء: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وشيطان يضله، وكافر يقاتله". وفى حديث روى عن ابن عمر بن الخطاب "تصافحوا يذهب الغل عن قلوبكم" وفى حديث آخر عن ابن عمر أيضا "تعافوا تسقط الضغائن بينكم". وفى حديث حسن عن أبى هريرة "تهادوا، تحابوا، وتصافحوا يذهب الغل عنكم". وفى حديث مرسل روى عن الحسن البصرى "ثلاث لم تسلم منها هذه الأمة: الحسد والظن والطيرة لأنبئكم بالمخرج منها؟ إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيّرت فامض" وفى رواية أخرى "... وإذا حسدت فاستغفر الله..".

فالغل هو الحقد الكامن والعداوة وفى القرآن "ونزعنا ما فى صدورهم من غلّ" "الأعراف آية 43- الحجر آية 47". فالحقد هو إضمار العداوة، الانطواء عليها والتربص لفرصتها. وكذلك الضغينة هى الحقد الشديد، ولهذا كان العلاج الشافى هو الصفح والعفو، فتصافحوا أى صافح كل منهم الآخرين فصافحه أى حياه يدا بيد، وهناك أمر بدوام المهاداة لتزايد المحبة بين المؤمنين، فحسب ابن حجر تهادوا يزيد فى القلب حبا وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء وحث عليه خلق وهم الأولياء تؤلّف القلوب وتنفى سخائم الصدور. قال الغزالى "وقبول الهدية سنّة لكن الأولى ترك ما فيه منة فإن كان البعض تعظم منته دون البعض رد ما تعظم.

والمقصود "بالظن" أى الظن بالناس سوءا، و"بالطيرة" بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن أى التشاؤم. فالحديث أشار إلى أن هذه الثلاثة: الحسد، والظن، والطيرة من أمراض القلب التى يجب التداوى منها وأن علاجها ما ذكر فمخرجه من سوء الظن أن لا يحققه بقلبه ولا بجارحته أما تحقيقه بالقلب فبأن يصمم عليه ولا يكرهه، ومن علامته أن يتفوه به بأن يعمل بموجبه فيها والشيطان يلقى للإنسان أن هذا من فطنتك. وأن المؤمن ينظر بنور الله وهو إذا أساء الظن ناظر بعين الشيطان وظلمته أما إذا أخبرك به عدل فظننت صدقه فأنت مغرور ولهذا إذا وجدت فى قلبك شيئا فلا تعمل به لأن الحسد واقع فى النفس كأنها مجبولة عليه فلذلك عذرت فيه، فإذا استرسلت فيه بمقالها وفعالها كانت باغية وينبغى للحاسد أن يرى أن حرماته من تقصير ويجتهد فى تحصيل ما به صار المحسود محظوظا لا فى إزالة حظه فإن ذلك مما يضره ولا يعيده ذكره القاضي.

وقال الغزالى إذا يئس الإنسان أن ينال مثل تلك النعمة وهو يكره تخلفه ونقصانه فلا محالة يجب زوال النقص، وإنما يزول بأن ينال مثلها أو تزول نعمة المحسود فإذا انسد أحد الطريقين لا ينفك القلب عن شهوة الآخر فإذا زالت نعمة المحسود كان أشهى عنده من دوامها وبزوالها يزول تخلفه ويقدم غيره وهذا لا ينفك القلب عنه فإن كان لورود الأمر لاختياره سعى فى إزالة النعمة عنه فهو الحسد المذموم وإن كان نزعه التقوى من إزالة ذلك عفى عنه فيما يجده من طبعه من ارتياح إلى زوال نعمة محسوده مهما كان كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه وهذا هو المعنى بالخبر".

السلام عليكم ورحمه الله وبركته نشكرك على التعاون الجميل مع اسرة المنتدى وتتمنى لك اسرة المنتدى قضاء اجمل واسعد الاوقات معنا 4521

نشكركم على التعاون معنا فى المنتدى

نشكركم على التعاون الجميل معنا فى المنتدى

مشكوووووووور

جداااااااااا

» وقع القلب
» متى القلب يبكي
» (حديث من القلب)
» كلمات من ثلاث حروف تهز القلب
» ( الهمة محلها القلب)