حملة علي المفتي بسبب حديث الغارقين

09 /11/ 2007

أثارت فتوى الدكتور علي جمعة، مفتي مصر التي اعتبر فيها الشباب المصريين الذين غرقوا قبالة السواحل الإيطالية أثناء محاولتهم الهجرة غير المشروعة "طماعين وليسوا بشهداء" ردود أفعال غاضبة من قبل علماء دين ومفكرين وكتاب مصريين والذين أكدوا على أن الغارقين ضحايا البطالة وتدهور مستوى المعيشة وشهداء للبحث عن الزرق.

وأعلن وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط للصحفيين لدى عودته من زيارة إلى روما أنه "تم انتشال 26 جثة لعمال مصريين غرقوا في البحر المتوسط قرب السواحل الإيطالية الأسبوع الماضي، وتم التعرف على 21 جثة منها"، موضحًا أن جثامين الضحايا سترسل تباعًا خلال الأيام المقبلة إلى مصر.
وقبيل ساعات من وصول أول 5 جثامين من الشباب الغارقين إلى القاهرة الثلاثاء 6-11-2007 قال المفتي: "إن هؤلاء الشباب لا يمكن اعتبارهم في عداد الشهداء؛ لأنهم ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة ولم يكونوا على سفر في سبيل الله".
وقال بحسب ما نقلته عنه صحيفة المصري الأربعاء 7-11-2007 وأعاد تأكيده للصحيفة نفسها اليوم الجمعة: "إذا بحثنا عن الأسباب التي دفعت هؤلاء إلى السفر سنجد أنها الطمع والبحث عن المال؛ لأن كلاًّ منهم دفع 25 ألف جنيه (نحو 4500 دولار أمريكي) من أجل السفر؛ وهذا يعني أنهم ليسوا فقراء ولا يعانون البطالة، وكان بمقدور كل منهم أن يستثمر هذا المبلغ في مشروع تجاري بدلاً من السفر".

صدمة واندهاش

فتوى الدكتور جمعة التي اعتبر فيها الشباب الغرقى قبالة السواحل الإيطالية "غير شهداء" تلقفها عدد من علماء وشيوخ الأزهر والمفكرين بالصدمة والاندهاش، على حد قولهم لصحيفة المصري اليوم.
وقال الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى في الأزهر: "إن الذين غرقوا قبالة السواحل الإيطالية شهداء؛ لأن الله يأمرنا جميعًا بأن نسعى في الأرض سعيًا للرزق، واعتبر سبحانه أن كل من مات أثناء سعيه للرزق شهيدًا".
واستند الأطرش بفتواه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها صلاة ولا صيام وإنما يكفرها السعي على المعاش".
وأوضح بأن الشهداء في الإسلام ثلاثة هم: شهداء الدنيا فقط الذين خرجوا إلى المعركة وقاتلوا ابتغاء الحصول على أغراض الدنيا، وشهداء الآخرة فقط وهم الذين يموتون غرقى أو حرقى أو بمرض في البطن أو الطاعون، وشهداء الدنيا والآخرة معًا وهم الذين قتلوا في المعركة؛ لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
وشدّد الدكتور حامد الفقي، أستاذ الفقه بكلية الشريعة الإسلامية، على أن كل من مات غريقًا أو في حريق أو بمرض في البطن فهو شهيد، إلا أنه ليس كشهيد الحرب، وإنما هو شهيد في سبيل الله تعالى؛ لأنه خرج للبحث عن الرزق.
وأعربت أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر سعاد صالح عن صدمتها واندهاشها الشديدة لتلك الفتوى قائلة: "إنها تركت في نفسي حزنًا شديدًا على المفقودين وأهلهم"، ودعت المفتي إلى أن "يتصدى في فتاواه لحكم الشرع في الفساد والمفسدين الذين جعلوا هؤلاء الشباب يضطرون للسفر، ويفقدون الانتماء لبلدهم ويبيعون ما يملكون" لتوفير نفقات السفر.

ظلم الغرقى وصدم الأحياء

"ظلم الغرقى وصدم الأحياء" بهذا العنوان علّق الكاتب الصحفي فهمي هويدي على تصريحات المفتي في مقاله بجريدة الدستور اليومية الخاصة، وقال: "كنت أرجو أن يكون المفتي أكثر رفقًا وحذرًا في حكمه على الشباب المصريين الذين غرقوا على السواحل الإيطالية، حين قال إن ما دفعهم للسفر وعرضهم للخطر، ومن ثَم الغرق هو الطمع والبحث عن المال، وبنى كلامه على ما قيل عن أن كل واحد منهم دفع 25 ألف جنيه لكي يصل إلى مبتغاه، الأمر الذي اعتبره دالاًّ على أنهم لم يكونوا فقراء، وأنهم لا يعانون البطالة، وبالتالي هو لا يعتبرهم شهداء".
وتابع هويدي بقوله: "إذا صح هذا الكلام الذي نشر على لسان المفتي فإنه يحتاج إلى إعادة نظر وتصويب ليس فقط، مراعاة لمشاعر الأهالي المكلومين الذين فقدوا أبناءهم في الكارثة، ولكن أيضًا إنصافًا للضحايا، ووضعًا لقضيتهم في إطارها الصحيح".
وانتقد هويدي فتوى الدكتور جمعة بشدة قائلاً: "لست أعرف مثلاً على أي أساس قرّر المفتي أن هؤلاء الشباب من المقتدرين، وأنهم لا يعانون البطالة؟.. لقد اعتمد على المعلومة التي ذكرت أن كلاًّ منهم دفع 25 ألف جنيه ليتمكن من السفر إلى الخارج، وهو مبلغ لا أحد يستطيع أن يقطع بأنه من فائض أموال هؤلاء الشبان، أو مدخراتهم، وقد نشرت الصحف على لسان بعض الأهالي أنهم اقترضوا هذا المبلغ من آخرين، ومنهم من اقترضه من مرابين يتقاضون فوائد باهظة (...) لست أشك في أن فضيلة المفتي يعلم أن في مصر مشكلة بطالة متفشية ومستعصية دفعت البعض إلى التخلص من الحياة بالانتحار في حالات تتحدث عنها الصحف بين الحين والآخر".

البطالة والهجرة

ووجه هويدي إلى الدكتور جمعة ملاحظتين، أولها "أن يتذكر القاعدة الشرعية التي تقول إن الميت لا يجوز عليه ما يؤدي لرحمته؛ لأن الكلام الذي تسرع في إطلاقه ظلم الذين ماتوا وصدم الأحياء من أهلهم".
وفي الملاحظة الثانية قال هويدي: "تمنيت عليه (المفتي) أيضًا أن يدين الظروف الطاردة التي اضطرت أولئك الشبان إلى خوض المغامرة التي أدت إلى إغراقهم، بدلاً من التنديد بما فعلوه؛ لأنهم في حقيقة الأمر ضحايا أكثر منهم مغامرون أو طامعون".
وتغطي الصحف المصرية على نطاق واسع أخبار المآسي التي يتعرض لها الشباب الذين يحاولون الهجرة بشكل غير مشروع إلى أوروبا، وتؤكد أنهم ضحايا لارتفاع نسبة البطالة وتدهور مستوى المعيشة في مصر، حيث يعيش 43.9% من السكان بأقل من دولارين في اليوم، أي تحت خط الفقر وفق إحصاءات البنك الدولي.
وكان جمال مبارك نجل الرئيس المصري حسني مبارك والرجل القوي في الحزب الوطني الحاكم قد صرح للصحفيين الإثنين 5-11-2007 أن حادث غرق الشبان المصريين أمام سواحل إيطاليا "مؤلم ومؤسف"، ولكنه رفض الربط بين مصير هؤلاء الشباب والحالة الاقتصادية في مصر، مؤكدًا أن المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري إيجابية؛ إذ ارتفعت نسبة النمو إلى 27%، وتم إيجاد مليون و400 ألف فرصة عمل جديدة خلال العامين الماضيين