الحضارة العربية الإسلامية جوهرها الأخلاق

الكلام الطيب يستسيغه السامع، والتعبير الحسن تميل إليه النفوس، واللهجة اللينة تحرك العواطف وتشرح الصدر، لهذا يعظ عمر بن الخطاب رجلا بقوله "لا تتكلم فيما لا يعنيك واعرف عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاور فى أمرك إلا الذين يخشون الله عز وجل" وقال رضى الله عنه "من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، من قلّ ورعه مات قلبه".

والكلام الحسن أساس نجاح الفرد والمجتمع، وسبب فى تكوين أمّة راقية، ولا يكون الكلام حسنا إلا إذا صدر عن الإنسان بعد رويّة وتفكير عميق وسليم. بينما الكلام السيء كثيرا ما يولّد الخصام والنزاع، ويكون سببا فى نشر الفوضى والحقد، لأنه يقع عند سامعه موقع الاستهجان.

لذلك اهتم العلماء والمصلحون بأسلوب الكلام، ومدى بلاغته وأثره فى السامع، فدعوا جميعا إلى التحلى بآداب المخاطبة واختيار اللهجة اللطيفة حتى يحصل المتكلم على حب السامع له مهما كان مكان الكلام وزمانه ومناسبته.

وهذا ما دعا إليه ربنا وخالقنا ومعبودنا فى قوله تعالى "وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا" "الإسراء آية 53" فالله عز وجل يأمر عباده المؤمنين أن يقولوا أثناء مخاطبتهم لغيرهم ومحاورتهم مع غيرهم الكلام الحسن الذى تطيب إليه النفوس فإن لم يفعلوا ذلك، واختاروا الكلام السيء فإن الشيطان يفسد بينهم، فيحصل الشر وتقع الخصومة.

فالقرآن يأمر بقوله "وقولوا للناس حسنا" "البقرة آية 83". ويأمر أيضا بخفض الصوت باعتباره من أمارات الكلام الحسن "واغضض من صوتك" "لقمان آية 19". ويدعو إلى معاملة الناس ببشاشة، ومخاطبتهم بهدوء ورحابة صدر، وينفر من الغلظة والصلابة فيقول الله مخاطبا رسوله عليه الصلاة والسلام "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضّوا من حولك" "آل عمران آية 159".

إن الكلام الرقيق الذى تألفه القلوب هو المعبر عما يكنّه المتكلم من صدق وإخلاص ورحمة إلى غير ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لن تؤمنوا حتى ترحموا" قالوا يا رسول الله "كلنا رحيم" قال "إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة عامة". فالإنسان قد يهش لأصدقائه حين يلقاهم وقد يرق لأولاده حين يراهم، وهذا أمر يشيع بين الكثير، بيد أن المفروض فى المؤمن أن تكون دائرة رحمته أوسع فهو يبدى بشاشته ويظهر مودته ورحمته لعامة من يلقى ويتخاطب معهم ويتعامل بحب وتسامح وهدوء.

فالدين الإسلامى دين الاجتهاد والتفتح والتسامح والتضامن الرحب وأكد على لطف الكلام حتى مع الأعداء لأنه يطفئ خصومتهم ويوقف على الأقل تطور الشر، قال تعالى "ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم" "فصلت آية 34" وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصحنا "إذا أردت أن تفعل أمرا فتدبر عاقبته فإن كان خيرا فأمضه وإن كان شرا فانته" ويقول "إذا سبّك رجل بما يعلم منك فلا تسبّه بما تعلم منه فيكون أجر ذلك لك ووباله عليك" ويقول "جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها" ولهذا قال عليه الصلاة والسلام "الجمال صواب القول بالحق والكمال حسن الفعال بالصدق" وقال أيضا "طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته".

ومن أقواله أيضا عليه الصلاة والسلام "كبرت خيانة أن تحدث أخاك هو لك مصدق وأنت له به كاذب".وفى تعويد الناس على حسن التعبير، مهما اختلفت أحوالهم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"، فالكلام الطيب خصلة تسلك مع ضروب البر ومظاهر الفضل التى ترشّح صاحبها لرضوان الله.

والإسلام يرى أن الحرمان مع الأدب أفضل من العطاء مع البذاءة "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم" "البقرة آية 263" فمصالحة الإنسان مع نفسه، ومصالحته مع غيره خير سبيل لنشر السلم والسلام وزرع الثقة بين الفرد والمجتمع. والكلام الحسن أفضل منهج لبناء "مجتمع متطور متكافل فاضل، تسوده روح الوفاق، وينصرف فيه الجميع إلى العمل الجاد من أجل المصلحة الوطنية".

وبما أننا ننتمى إلى الحضارة العربية الإسلامية التى هى فى جوهرها حضارة الأخلاق والاجتهاد والإصلاح لا تريد إلا خير الإنسان ونبذ الانغلاق والتعصب والتحجر والعنف، فإن الواجب يحتّم علينا أن نقبل النقد الرفيع والنافع الذى يحفز كل المسلمين إلى العمل بجد وإخلاص للرفع من شأن مجتمعاتهم فى كنف السلم والوئام. إن الله عز وجل يحب الطيب من القول كما يحب الصالح من العمل كما قال تعالى لنا "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه" "فاطر آية 10".

المرء من الحق لا يخشى إلا عذاب الله لأنه خالقه وهو الذى منحه القوة فصار قويا وإن لم يكن فى يديه سلاح، وغنيا وإن لم تعجّ خزائنه بالفضة والذهب، وعزيزا وإن لم يكن وراء عشيرة وأتباع، وراسخا وإن اضطربت سفينة الحياة وأحاط بها الموج من كل مكان، فهو بإيمانه أقوى من البحر والموج والرياح ففى الحديث النبوى "لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال" وهذه القوة فى الفرد مصدر لقوة المجتمع كله.

وما أسعد المجتمع بالأقوياء الراسخين من أبنائه وما أشقاه بالضعفاء المهازيل الذين لا ينصرون صديقا ولا يخيفون عدوا ولا تقوم بهم نهضة أو ترتفع بهم راية. والصحيح أن القوة المنشودة ليست إلا فى ظلال العقيدة الصحيحة، ورحاب الإيمان بالله الذى يمد عبده بروح القوة وقوة الروح.

وهذا يجرنى أن أذكّر كل مؤمن أن الكلام الطيب ينبع من الإخلاص فى القول والإيمان بالعمل الطيب، وأن علم الخير يدعم القوة وعمل الشر يضعفها. ومن ثمار هذه القوة الإيمانية التمسك بالصدق فى كل حال والعدل فى كل حين والكلمة الطيبة فى كل مكان وزمان.

فالمؤمن الحق هو الذى لا يعمل لشهوة عارضة ولا لنزوة طارئة ولا لمنفعة شخصية ولا لعصبية جاهلية ولا للبغى على أحد من البشر، ولكنه يعمل للحق الذى قامت عليه السماوات والأرض، والحق أحق أن ينتصر والباطل أولى أن يندثر "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" "الأنبياء آية 18" فليلتزم المؤمن الصادق بصواب القول بالحق وحسن القول والكلم الطيب وحسن الفعال وقول المعروف، فالتبسم فى وجه أخيك كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام "تبسمك فى وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل فى أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك فى دلو أخيك لك صدقة" كل هذا لن يوجد إلا فى من كان إيمانه قويا لا يخشى إلا الله تعالى الواحد الأحد، القوى الأقوى، مالك الملك.

فالكلام الطيب كلام المؤمن القوي.

السلام عليكم ورحمه الله وبركته نشكرك على التعاون الجميل مع اسرة المنتدى وتتمنى لك اسرة المنتدى قضاء اجمل واسعد الاوقات معنا 4521

نشكركم على التعاون معنا فى المنتدى

نشكركم على التعاون الجميل معنا فى المنتدى

مشكوووووووور

جداااااااااا

» ( فى واحة اللغة العربية)
» غرائب اللغة العربية
» لغتنا العربية اهانتها العامية
» ....حكم الأناشيد الإسلامية....
» اية قرانية شملت كل حروف اللغة العربية